قصة قصير من تأليف الأديب الروسي ليو تولستوي (بالروسية: لييف تالستوي) في عام 1886، وتروي قصة رجل خسر كل شي في سبيل إشباع شهوته وحبه لتملك الأراضي.
كتب جيمس جويس (الكاتب والشاعر الإيرلندي من القرن 20) لابنته في أواخر حياته عن القصة قائلا إنها “أعظم قصة عرفها الأدب العالمي“. وكان الفيلسوف النمساوي لودفيغ فيتغنشتاين من أشد المعجبين بها. وفي ألمانيا الغربية عام 1969، ألهمت موضوعات القصة المخرج هانز يورغن سيبيربرغ لإخراج فيلم بعنوان “سكرابيا: كم يحتاج الرجل من فدَّان؟”
القصة بطلها شخصية مزارع اسمه باخوم
كان باخوم وهو قروي بسيط , يتمنى أن يمتلك قطعة كبيرة من الأرض .وبلغه أن السيدة التي يعمل بمزرعتها تريد أن تبيع المزرعة بالتقسيط ,فااشتراها وأخصبت كورته. ثم اشترى قطعة مجاورة بثمن بخس من جاره الذي كان يريد أن يرحل .فصار “باخوم” بين ليلة وضحاها صاحب الخمسين فداناً .
وفي يوم من الأيام زاره صديقه القديم وسأله عن النجاح والسعادة, فأجاب ” باخوم”:( أما عن النجاح فلا بأس , لأنني أمتلك الآن عزبة مساحتها خمسون فداناً, تعطي محصولاً جيداً. أما عن السعادة فمفقودة , لأنني أتمنى أن تكون الخمسون مائة أو ألفاً, ولكن أصحاب الأراضي حولي لايريدون التنازل عن اراضيهم بسهولة)
أجاب الضيف: ( إني عائد من بلاد على نهر “الفولجاتا” حيث الأراضي فسيحة وخصبة, وأصحابها بسطاء ويمكن الحصول على أراضيهم بسهولة)
صدّق باخوم ماقاله صديقه , فباع كل مايملك , وسافر مع خادمه إلى هذه البلاد. وهناكقدم لمشايخ القبائل هدايا فرحبوا به جداً.ولما سألهم عن ثمن الأرض عندهم قالوا: ألف روبل عن اليوم كامل . والروبل عملة روسية.سأل باخوم : مالمقصود باليوم الكامل؟ وكم فداناً تساوي؟
أجابوه: نحن لانستخدم المقاييس التي عندكم. وإنما نقدر الارض وثمنها بالمسافة التي يقطعها الإنسان في المشي فيها في اليوم الواحد, بدءً من شروق الشمس ولكن عليه أن يرجع إلى النقطة التي بدء منها وذلك قبل غروب الشمس ولو بدقيقة واحدة . وهذه الارض تساوي الالف روبل . اما إذا تأخر ولو دقيقة واحدة بعد غروب الشمس يفقد الألف روبل والأرض معاً.
سُر باخوم جداً ودفع الألف روبل , واستعد لرحلة الغد وبات يحلم بالارض الفسيحة جداً . وفي الصباح الباكر وصل إلى المكان الذي عينوه للمقابلة. فقال له رئيس المشايخ: إنظر إلى هذا السهل الفسيح هو ملك لك , لكن حافظ على الشروط , فإما أن يصير المال لنا والارض لك , أو تفقد الأرض والمال معاً.
بدأ باخوم رحلته وهو يركض بمنتهى القوة, وكان كلما قطع مرحلة كبيرة واراد الوقوف عندها , تغريه خصوبة الارض فيستمر في الركض . وظل يركض ويركض إلى أن انتصف به النهار, واشتد به التعب , فجلس للحظات تناول فيها بعض الطعام وشرب بعض رشفات من الماء , ثم قام ليبدأ راجعاً. فأخذ يركض من الناحية الثانية , ولما رأى ان الوقت قد مضى أخذ يلهث إلى الناحية الثالثة.وكان العصر قد أقبل , ففكر أن يعود إلى النقطة التي بدء منها حتى لايخسر الكل, ولكنه أحس بالتعب الشديد وبدأ يخلع ثيابه قطعة فقطعة, حتى حذائه لم يطق أن يبقيه فخلعه وجعل يركض , وقدماه تمزقهما الأشواك و الحجارة الحادة.
ولما اشتد به التعب فوق الطاقة , فكر أن يجلس ليستريح ولو للحظات, ولكنه أبصر الشمس تنحدر نحو المغيب و فاستمد من ضعفه قوة فجعل يركض ويركض وأنفاسه متدافعة و لايكاد يرسل إحداها حتى يلحقه الآخر.
وقبل أن يصل إلى سفح الجبل غابت الشمس , فخار واضطرب إضطراباً عنيفاً,ولكنه تذكر أن الشمس في السفح قبل القمة,وإذ ذاك كافح مرة أخرى, واخذ يجري ويجري بكل مالديه من بقايا خافتة من العزم والقوة.
ولما وصل قبل مغيب آخر شعاع من الشمس, استقبله الجماعة بهتاف عظيم , وقال الرئيس لباخوم: هنيئاً لك قطعة الأرض التي امتلكتها إنها كبيرة جداً.
وما إن مد باخوم يده ليصافح الرئيس حتى انفجر الدم من فمه , وسقط على الأرض , أسرع خادمه ليسعفه ولكنه كان قد صار جثة هامدة. وبعد وفاته قرر المشايخ أن يحفروا له قبراً ويدفنوه فيه فوراً لصعوبة إعادة الجثة , ثم التحق بهم بعض المشايخ وسألوا رئيسهم:كم مساحة أرض باخوم؟ قالوا: مترين في متر , تفاجئوا وقالوا لرئيسهم معقول! فأجاب : نعم . هذه مساحة قبر باخوم لأن باخوم مات بأزمة قلبية.
ختم الكاتب القصة
بأن الطمع قل ماجمع , وأن باخوم الذي اراد كل شيئ خسر كل شيئ , نقوده وأراضيه وحياته . وأن الارض الفعلية التي سيملكها الإنسان هي قبره.
نرجوا أن تكونوا قد استمتعتم بهذه القصة الرائعة واخذتم منها الفائدة والعبرة. إلى لقاء قادم بقصص أخرى هادفة ومشوقة بعون الله . دمتم بخير.