تكلمنا سابقاً عن زكاة المال وزكاة الحلي , وتوسعنا فيهما بمسائل وأمثلة. سنتحدث اليوم عن الأسئلة المتكررة التي تتتناقل كل عام في شهر رمضان عن زكاة الفطر وكيفيتها وقيمتها وكل كبيرة وصغيرة عن هذا الموضوع فتابعوا معنا.
تكلمنا في المقال السابق أولاً: عن زكاة المال. ثانياً: زكاة الحلي واليوم هو:
المحتوى
ثالثاً: زكاة الفِطر:
وزكاة الفِطر واجبة على كل فرد من المسلمين (صغيراً كانَ أو كبيراً، ذكراً كانَ أو أنثي، حُرّاً كانَ أو عبداً)، وذلك لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – فرض زكاة الفِطر صاعاً مِن تمر، أو صاعاً مِن شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين” وسيأتي تعريف الصاع.
ما هي الحِكمة من مشروعية زكاة الفِطر؟
عن ابن عباس – رضي الله عنه -ما أنه قال: ” فرضَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – زكاة الفِطر: طُهْرَةً للصائم من اللَّغو والرَفَث – وهو الفُحش مِن الكلام -، وَطُعْمَة للمساكين “.
مَن الذي يخرج زكاة الفطر؟
يجب على رَبّ البيت (القائم بشئون البيت) أن يُخرج زكاة الفِطر عَن نفسه، وعَمَّن يَعُولُهُم، إذا امتلَكَ مالاً يزيدُ عن حاجاته الأصلية وعن حاجة مَن تَجب عليه نفقتهم، (كالمَأكَل – يعني طعامُهُ المُعتاد لِيَوْمِهِ وليلته – والمَلبَس، وإيجار المَسكَن – وقِيمة فاتورة الكهرباء – وغير ذلك مِمّا يَضره إذا لم يدفع قيمته)، ويُلاحَظ أنه يتعلق بذلك بعض المسائل:
هل يجوز ان اعطي زكاة الفطرلزوجتي؟
ذهبَ فريق من العلماء إلى أنه يجب على الزوجة أن تُخرج زكاة الفِطر مِن مالها (إن كانَ لها مال)، وذهب الجمهور إلى أنَّ الزوج هو الذي يَلزَمُهُ إخراج زكاة الفِطر عن زوجته، وذلك لأن الزوجة تابعة للنفقة، وَرَجَّحَ الشيخ ابن عُثَيْمِين القول الأول، ثم قال: (لكنْ لو أخرجها عَمَّن يُمَوِّنُهُم- (يعني عَمَّن يَعُولُهم) – وبرضاهم فلا بأسَ بذلك ولا حرج)، (وكذلك إذا كانَ أحد الأبناء يعمل، فيجُوز له أن يُخرجها عن نفسه، كما يجُوز أن يُخرجها عنه أبوه، أو رَبّ المنزل).
قال الشيخ عادل العزَّازي: (وإنما تَجِب على العبد فقط مِن مال سَيِّدِه – (يعني على سبيل الوجوب، وليست على سبيل التخيير) -، لحديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” ليسَ في العبدِ صدقة – أي: على سيده – إلا صدقة الفِطر “. ، (وأما الخادم فيجب عليه إخراج زكاته عن نفسه، وذلك لأنه يتقاضى أجراً نَظيرَ خدمته).
2. هل زكاة الفِطر واجبة على الصغير؟
الراجح أنها تجب عليه، وذلك لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” والصغير والكبير “، فتُخرَجُ زكاة الفِطر مِن مال الصغير (إنْ كانَ له مال)، فإن لم يكن له مال: فإنها تجب على مَن تَلْزَمُهُ نَفَقَتُه، وهذا هو رأي الجمهور.
3. هل تُخْرَج زكاة الفِطر عن الجَنِين؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ زكاة الفِطر لا تجب على الجَنِين، وهو الراجح.
4. هل يُشْتَرَط لزكاة الفِطر نِصَاب معين(يعني هل يُشتَرَط أن يكون لبيته دَخلاً شهرياً معيناً حتى تَجب عليه زكاة الفِطر)؟
تقدَمَ في الحديث أنَّ زكاة الفِطر تكون: (على العبد والحُرّ)، هكذا على العموم، يعني سواء كانَ غنياً أو فقيراً، ولذلك لم يَشْتَرِط الجمهور لوجوب زكاة الفِطر سِوَى: الإسلام، وأن تكون قيمة الزكاة فاضلة عن قُوتِه وعن قُوتِ مَن تَلزَمُهُ نفقته يوم العيد وليلته، وأن تكون فاضلة عن حاجاته الأصلية وحاجة مَن يَعُول (كما سبق توضيح ذلك) (والخُلاصَة أنه لا يَلزم مقدار دَخل معين، أو مستوى مَعِيشة معين لإخراج زكاة الفِطر).
• واعلم أنه لا يَلزَمُ أن يكون – الذي سيُخرَجُ عنه زكاة الفطر- قد صامَ رمضان لقوله:” والصغير والكبير “، ومعلومٌ أنَّ الصغير لا يجب عليه الصوم، وعلى هذا فلَو كانت المرأة نُفَسَاء طوال شهر رمضان، فالواجب عليها إخراج زكاة الفِطر (سواء من مالها أو مِن مال زوجها كما تقدم).
5. ما هو المِقدار الواجب إخراجه في زكاة الفِطر؟
الواجب في زكاة الفِطر: ” صاع ” مِن أقوات البلد، فعلى هذا يُخرِج صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من تَمر، أو أي شئ آخر مما يُعَدّ قوتاً أساسياً للبلد كالأرز والقمح والذرة ونحو ذلك.
وتقدير الصاع:
أربع حِفنات بِكَفَّي الرجل المعتدل، (والصاع هو عبارة عن مِكيال معين يُكَالُ به الحبوب، وتختلف قيمته بالكيلو جرام لكل نوع من أنواع الحبوب، وذلك حسب وزن كل نوع (فمثلاً: وزن الأرز الذي يملأ هذا المِكيال غير وزن المكرونة التي تملؤه، فالمكرونه خفيفة في الوزن، وهكذا سائر الحبوب تتفاوت في الوزن) (والخُلاصَة أنه يمكننا أن نقول: كم عدد الكيلو جرامات – من الحبوب – التي تملأ هذا الصاع؟)(كم (كيلو) من الأرز يملأ هذا الصاع؟، وكم (كيلو) من التمر يملؤه؟ وهكذا)، وقد سَجَّلَ بعض الدُعاة مقادير زكاة بعض هذه الأصناف بالكيلو جرام كالآتي:(صاع الأرزيُملأ بـ:(3. 2 كجم) أرز)، (صاع التمر: 3 كجم تمر)، (صاع اللُوبيا: 2كجم لوبيا)، (صاع الزبيب: 6. 1 كجم زبيب)، (صاع الفاصُولْيَا: 65. 2 كجم فاصوليا)، (صاع العَدْس بجِبَّة: 3 كجم عدس بجبة)، (صاع العَدْس الأصفر: 2 كجم عدس أصفر).
• وأما إذا أرادَ إخراج نوع آخر من الحبوب مِمَّا لم يُذكَر تقديره بالكيلوجرام، كالمكرونة والقمح والفول والذرة وغير ذلك، فله أن يُقدِّرَها بأربع حِفنات بِكَفَّي الرجل المعتدل (كما سبق في تعريف الصاع)، أو أن يَحتاطَ لنفسه فيُخرج على الفرد الواحد: (من 5. 2 إلى 3 كجم) مِن هذا الصنف كَنِسبة تقديرية، والله أعلم.
• وقد حَدَّدَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها صاعاً مِن طعام على الفرد الواحد، فعلى العبد أن يُخرج صاعاً عن نفسه، وصاعاً عن كل فرد مِمَّن يَعُولُهُم – مِن أي نوع من أنواع الحبوب – بالكيلو جرام، (فمثلاً إذا أخرجَ عن نفسه وعن زوجته وعن ابنه وعن ابنته: أربع صاعات من الأرز (يعني على كل فرد منهم صاع)، فإنه يُخرج:
4 (أفراد) × 3. 2 كجم أرز (وهو مقدار صاع الأرز بالكيلو جرام) = 2. 9 كجم أرز (عن كل أفراد الأسرة)، وإن زادَ على ذلك فهو أعظم له في الأجر.
6. ما هو حُكم إخراج زكاة الفِطر قِيمة (يعني نقود بدلاً من الطعام)؟
هذا السؤال الشائك الذي يقع عليه الخلاف كل سنة ,فمن الناس من يصر على اخراجها مالاً ومنهم من يصرعلى اخراجها طعاماً
• الجواب: أمَّا إخراج القِيمة فلم يُجزئُه الأئمة الثلاثة: (مالك والشافِعِيّ وأحمد) في زكاة الفِطر، وأما أبو حنيفة فقد ذهب إلي جواز إخراج القيمة، والراجح ما ذهبَ إليه الجمهور مِن عدم جواز إخراج القِيمة، وذلك للنصوص الواردة بأنها مِن طعام، والزكاة عبادة، لا تبْرَأ الذِمَّة إلا بأدائها على الوجه المأمور به.
• يعني أنَّ الأوْلَى عدم التساهُل في إخرج القيمة إبراءً للذمة، وخروجاً من الخِلاف،
ولكنْ مع هذا: فلا ينبغي أن يُنكِرَ أحدٌ على مَن يُخرجُ زكاة الفِطر نقوداً (للحاجة وللتيسير على المسلمين)، طالما أنَّ الخِلاف مُعْتَبَرٌ بين العلماء، وذلك لِمَنْع التنازع والشِقاق بين المسلمين وبعضهم، ولكنْ اعلم أنه إذا سألكَ أحد الناس – قبل أن يُخرجَ الزكاة – وقال لك: كيف أخرج زكاة الفِطر: (طعاماً أم نقوداً)؟ فقل له: (أخرجْها طعاماً اتِبَاعاً للسُنَّة)، ويا حَبَّذا لو نصحتَهُ بأن يُخرجَ – مع الطعام – نقوداً كصدقة للفقير، وذلك حتى يَجْمَعَ بين القولين، واللهُ المُستَعَان، ونسأله القبول.
ما هو وقت أداء زكاة الفِطر؟
الحقيقة أنه خطأ اخر يقع فيه معظم الناس , وهو إخراج زكاة الفطر في الأيام الأولى من رمضان أو في الأيام الوسطى فما صحة هذا؟
اختلف العلماء في تحديد بداية وقت وجوب زكاة الفِطر على قولين:
القول الأول: أنَّ وقت الوجوب يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهذا الرأي هو الأرجَح.
القول الثاني: أن وقت الوجوب يبدأ بطلوع فجر يوم العيد.
• وعلى هذا فإذا وُلِدَ له مولودقبل غروب شمس آخر يوم من رمضان فإنه يجب عليه زكاة الفِطر باتفاق العلماء، لأنه أتى عليه وقت الوجوب وهو مولود، وأما إن وُلِدَ بعد غروب الشمس وقبل فجر يوم العيد، وَجَبَت عليه الزكاة (على مَن يأخذ بالرأي الثاني)، ولم تجب (على مَن يأخذ بالرأي الأول)، والراجح عدم وجوب زكاة الفِطر عليه، وكذلك يُقال فيمَن أسْلَمَ قبل غروب الشمس، فقد وجبت عليه زكاة الفِطر، وأما إذا أسلم بعد الغروب وقبل الفجر، فالراجح عدم الوجوب.
وأما عن آخر وقت الوجوب: فهو من بداية وقت صلاة العيد، فلا يَجُوز له أن يؤخرها إلى ما بعد صلاة العيد، وأما إن أخَّرَها عن يوم العيد فذلك أشَدّ إثماً، قال ابن قدامة في كتابه “المُغنِي”: (فإن أخَّرَها عن يوم العيد أثِمَ، وَلَزِمَهُ القضاء)، وذلك على سبيل الندم، لعل الله أن يَعفوَ عنه، وحينئذٍ تُكتَبُ له صدقة عادية، كمَن ذبح أضحيته قبل الصلاة يومَ الأضحى.
ولكنْ هل يَجُوز تقديمها عن بداية وقت الوجوب؟
اختلفت آراء العلماء في ذلك، وأرْجَحُ الأقوال أنه يَجُوز تقديمها عن بداية وقت الوجوب بيوم أو يومين، ولكنْ لا نُنكر أيضاً على مَن يُخرجُها قبل ذلك للحَاجَة، وذلك من باب التيسير على المسلمين.
ملاحظــات:
(1) يَجُوز التوكيل في إخراج زكاة الفِطر، وذلك بأن يُعطي لِغَيْرِهِ قيمة الزكاة (نقوداً)، ليشتري بها الطعام، ثم يُخرجُها عنهُ طعاماً (ويكون مقدار هذه القيمة بأن يَحسب مثلاً قيمة صاع الأرز في السوق، و(هو ما يُعادل 2. 3 كجم أرز كما سبق)، ثم يعطي لوكيله هذه القيمة ليشتري بها الأرز نيابة عنه، فإذا كان سيُخرج مثلاً أربع صاعات من الأرز (عن نفسه وعن أسرته)، فإنه يُخرج هذه القيمة: (4 × 2. 3كجم أرز × سعر كيلو جرام الأرز في السوق).
(2) يجُوز للإمام (وهو الحاكم المسلم، ولِيّ الأمر) – أو مَن يَنُوبُ عنه – إذا جَمَعَ زكاة الفِطر قبل صلاة العيد أن يُبْقِيَها في بيت المال (وهي خِزَانة الدولة)، ولو لِبَعد صلاة العيد، حتى يتم توزيعها على الفقراء.
(3) إذا أخَّرَ زكاة الفِطر بسبب عُذرٍ معين (كأنْ يعلم برؤية هِلال شَوَّال أثناء سفره، أو لم يجد فقيراً يؤتيه الزكاة)، فإنه لا يأثم بذلك، وتكون الزكاة في ذِمَّتِه (يعني يجب عليه أداؤها مَتَى تَمَكَّنَ من الأداء).
(4) يَجُوز أن يُعطي زكاة فطره وزكاة مَن يَعُولُهم لشخصٍ واحدٍ فقط، كما يَجُوز أن يُقَسِّمَها على عدة أشخاص.
كان هذا كل مافي حوزتنا عن زكاة الفطر, تابعونا في مقال قادم عن تتمة انواع الزكاة مثل زكاة الزروع والثمار والعروض التجارية وغيرها.