فضلت الصلاة على سائر العبادات إلا التوحيد ، واصطفاها الله تعالى لتكون الفيصل بين الإيمان والكفر ، عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ” بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ ” [ رواه مسلم ] ، وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :” الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ” [ رواه الترمذي وغيره ] .
ولذا فلم تكن الكيفية التي فرضت بها الصلاة كسائر العبادات ، بل عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء وفرضت عليه هناك بلا واسطة ، لتعلم الأمة منزلة الصلاة ، ولتقدر لها قدرها ، وتعلي شأنها ، فالصلاة عمود الإسلام وفسطاطه ، فإذا سقط العمود ، انهدم الدين والعياذ بالله ، فلا دين لمن لا صلاة له . وقد ميز الله صلاة مهمة جداً من بين جميع الصلوات بأجر كبير وثواب عظيم لمن أداها على وقتها, وأيضاً وصف تاركها ومهملها بالنفاق . نعم إنها صلاة الفجر.
كنا قد تكلمنا في مقال سابق لنا عن الترغيب والترهيب الذي جاء في صلاة الفجر, واليوم سنتابع الكلام عنها ونذكر لكم الأسباب التي تجعلنا نتهاون ونتكاسل عن هذه الصلاة الفاصلة بين النفاق والإيمان, وبالمقابل سنقدم لكم بعض الخطوات التي نقوم بها لتساعدنا على الاستيقاظ على صلاة الفجر. فتابعوا معنا:
المحتوى
أسباب النوم عن صلاة الفجر وعدم أدائها في وقتها
المحافظة على صلاة الفجر هو عمل يقدر عليه كل مؤمن، وإذا اعتاده صار سلوكا له، لا يستطيع تركه أو تغييره، ومن نعم الله تعالى على العبد أن يُطبع نفسه على فعلٍ تكون فيه سعادة قلبه وفرحه في الدنيا، وفوزه بالجنة في الآخرة.لكن الذي يجعلنا نتكاسل عن صلاة الفجر أمور كثيرة أهمها:
- المعاصي والذنوب
فإن العبد قد يعاقب على فعل المعصية بترك الطاعة، وهذا أشد أنواع العقوبات. وقد كان السلف يجتنبون معاصي النهار؛ لأنها تثقلهم عن قيام الليل، فكيف بمن يسهر الليل على المعاصي؟!
قال أَبَو سُلَيْمَانَ الداراني رحمه الله تعالى “مَنْ أَحْسَنَ فِي نَهَارِهِ كُوفِئَ فِي لَيْلِهِ، وَمَنْ أَحْسَنَ فِي لَيْلِهِ كُوفِئَ فِي نَهَارِهِ“. وقال أيضا: لا يفوت أحداً صلاةُ في جماعة إلا بذنب.
وقال رجل للحسن رحمه الله تعالى: يا أبا سعيد إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأتخذ طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال: ذنوبك قيدتك يا ابن أخي. وَقَالَ آخر له: أَعْيَانِي قِيَامُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: قَيَّدَتْكَ خَطَايَاكَ!
وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته، قيل له: ما هو؟ قال: رأيت رجلاً بكى فقلت في نفسي هذا مراء.
وَذكر ابن القيم أن من آثار الذنوب: حِرْمَانَ الطَّاعَةِ، فمن عقوبة الذنب أنه يَصُدُّ عَنْ طَاعَةٍ تَكُونُ بَدَلَهُ… فَيَنْقَطِعُ عَلَيْهِ بِالذَّنْبِ طَاعَاتٌ كَثِيرَةٌ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا.
- الجهل عن عظيم الثواب في صلاة الفجر
ومن أسباب النوم عن صلاة الفجرهو التغافل عما فيها من الأجور العظيمة ﴿ إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء:78] فصلاة الفجر مشهودة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار. وجاء في فضل راتبتها أنها خير من الدنيا وما عليها، فكيف إذن بالفريضة التي هي أحب إلى الله تعالى منها؛ لأنه ما تقرب متقرب إلى الله تعالى بأحب من تقربه ما افترضه عليه، ومصلي الفجر مع العشاء في جماعة كمن قام الليل كله، وهو في ذمة الله تعالى، فمن استحضر عظيم الأجر فزع لصلاة الفجر.
- الجهل بعقوبة تاركها
ومن أسباب النوم عن صلاة الفجرالجهل بما في تركها من العقوبة البرزخية؛ فإن الرؤوس المتثاقلة بالنوم عن صلاة الفجر تعذب برضخها بالحجارة، وهذا عذابها في البرزخ إلى يوم القيامة، ولما كانت لذة النوم في الرأس كان العذاب على الرأس؛ وتعذيب الرأس أشد من تعذيب غيره من الأعضاء، وأشد إهانة؛ لأن الرأس مجمع الحواس، ويَحمل الوجه الذي هو محل كرامة الإنسان.
- الجهل بكمية الضيق والهم عند تركها
ومن أسباب النوم عن صلاة الفجر: الغفلة عما يصيب مضيعها من ظلمة القلب، وضيق الصدر، وسوء الخلق، وتراكم الهم والغم، وتسلط الشيطان عليه طيلة النهار. وهذا يشعر به من يحافظ عليها أحيانا، ويضيعها أحيانا أخرى، كما يحسه من حوله ممن يتعاملون معه. والأصل في ذلك حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ” رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ، قَالَ: “ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنِهِ” رواه الشيخان، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: “هَذَا عِنْدَنَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ نَامَ عَنِ الْفَرِيضَةِ”.
وقال ابن مَسْعُودٍ: حَسْبُ الرَّجُلِ مِنَ الْخَيْبَةِ وَالشَّرِّ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يُصْبِحَ وَقَدْ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ.
- النوم على بطن ممتلئة
ومن أسباب تضييع صلاة الفجر: الانغماس في فضول الطعام وفضول المجالس. فالبطن إذا شبع في الليل ثقل الرأس عن القيام والفجر، وأما فضول المجالس فهي -في زمننا- أكثر ما يحول بين المصلين وبين صلاة الفجر؛ حيث السهر إلى آخر الليل مع الأصحاب أو في الاستراحات أو على القنوات، ثم النوم بلا وتر، وترك صلاة الفجر.
فمن سهر على مشاهدة رياضة أو أفلام أو في مجالس لغو كان حريا أن ينام عن صلاة الفجر. ومما فتح على الناس من السهر الانشغال بوسائل التواصل الجماعي التي أكلت ليل أصحابها وهم لا يشعرون، يظل ليله كله يحادث ويشارك إلى قرب الفجر، ثم ينام عنها، ولا يجد في ليله فسحة لوتر ولا لذكر. وربما لزم فراشه مبكرا للنوم، وجهازه في يده، يرد على هذا ويقرأ لذاك حتى يمضي الوقت وهو لا يشعر، ويظن أنه نام مبكرا وهو قد سهر.
- عدم وجود النية الصادقة للاستيقاظ
ومن أسباب النوم عن صلاة الفجر: عدم تبييت النية للاستيقاظ لها، فينام وليس عنده عزم على صلاة الفجر؛ إذ لو وُجد العزم والصدق وفق للاستيقاظ. بل إن كثيرا منهم يضع المنبه أو يوصي من يوقظه للوظيفة أو الدراسة أو الامتحان، ولا يأبه بصلاة الفجر، وهذا على خطر عظيم؛ لأنه تعمد ترك الصلاة وتأخيرها عن وقتها.
ومنهم من يسمع النداء أو يوقظه بعض أهل بيته فيتمنى أنه لم يوقظ ولم يسمع النداء؛ لئلا تقوم الحجة عليه، وكأنه يخادع ربه سبحانه في صلاته، وما يخدع إلا نفسه، ولن يضر الله تعالى شيئا.
الأسباب التي تساعدك على الاستيقاظ لصلاة الفجر
ان كنت حقا قد نويت وعزمت بكل صدق نية على الاستيقاظ لصلاة الفجر فااتبع النصائح التالية لتساعدك على ذلك:
1- النوم مبكراً فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها إلا ما فيه مصلحه وخير .
2- أحرص أيها المسلم على آداب النوم كالدعاء قبل النوم وجمع الكفين والنفث فيهما وقرأة سورة الإخلاص والمعوذات والنوم على طهارة.
3- أن يستعين المرء بمن حوله من أهله ووالديه وأقاربه وجيرانه فيوصيهم بإيقاظه.
4- عمارة القلب بالإيمان والعمل الصالح والبعد عن المعاصي.
5- أن يستشعر ما ورد في فضل صلاة الفجر من الأجر العظيم قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله) رواه مسلم.
وما ورد في ذم تاركها مع الجماعة ومؤخرها عن وقتها من الزجر والتوبيخ عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح قال : ذاك رجل بال الشيطان في أذنه \” أو قال \” : \”في أذنيه\”. رواه البخاري ومسلم.
6- أن يحرص المسلم على أن ينفي عن نفسه صفة المنافقين، قال صلى الله عليه وسلم : ( إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ) رواه البخاري ومسلم. وقبل ذلك كله سؤال الله تعالى التوفيق والهداية لذلك.
7-أن يستغل المسلم كل فرصة تدفعه إلى طاعة الله تعالى ، فربما رأى أصدقاءه يحافظون على الصلاة ، فلماذا لا يحافظ هو؟ والحكمة ضالة المؤمن ، أنى وجدها ، فهو أحق بها ، إنه يحدث لنا في يومنا أحداث كثيرة لجميع البشر ، وعلى العاقل أن يعتبر مما رأى بما ينفعه، ودعني أحكي لك هذه الحكاية :
قصة الطفل وصلاة الفجر
في يوم من الأيام كان هذا الطفل في مدرسته وخلال أحد الحصص كان الأستاذ يتكلم فتطرق في حديثه إلى صلاة الفجر وأخذ يتكلم عنها بأسلوب يتألم سن هؤلاء الأطفال الصغار وتكلم عن فضل هذه الصلاة وأهميتها سمعه الطفل وتأثر بحديثه، فهو لم يسبق له أن صلى الفجر ولا أهله.. وعندما عاد الطفل إلى المنزل أخذ يفكر كيف يمكن أن يستيقظ للصلاة يوم غداً..
فلم يجد حلاً سوى أنه يبقى طوال الليل مستيقظاً حتى يتمكن من أداء الصلاة وبالفعل نفذ ما فكر به وعندما سمع الأذان انطلقت هذه الزهرة لأداء الصلاة ولكن ظهرت مشكلة في طريق الطفل.. المسجد بعيد ولا يستطيع الذهاب وحده، فبكى الطفل وجلس أمام الباب..
ولكن فجأة سمع صوت طقطقة حذاء في الشارع فتح الباب وخرج مسرعاً فإذا برجل شيخ يهلل متجهاً إلى المسجد نظر إلى ذلك الرجل فعرفه نعم عرفه أنه جد زميله أحمد ابن جارهم تسلل ذلك الطفل بخفية وهدوء خلف ذلك الرجل حتى لا يشعر به فيخبر أهله فيعاقبونه، واستمر الحال على هذا المنوال، ولكن دوام الحال من المحال فلقد توفى ذلك الرجل (جد أحمد) علم الطفل فذهل..
بكى وبكى بحرقة وحرارة استغرب والداه فسأله والده وقال له: يا بني لماذا تبكي عليه هكذا وهو ليس في سنك لتلعب معه وليس قريبك فتفقده في البيت، فنظر الطفل إلى أبيه بعيون دامعة ونظرات حزن وقال له: ياليت الذي مات أنت وليس هو، صعق الأب وانبهر لماذا يقول له ابنه هذا وبهذا الأسلوب ولماذا يحب هذا الرجل؟
قال الطفل البريء أنا لم أفقده من أجل ذلك ولا من أجل ما تقول، استغرب الأب وقال إذا من أجل ماذا؟
فقال الطفل: من أجل الصلاة نعم من أجل الصلاة، ثم استطرد وهو يبتلع عبراته لماذا يا أبي لا تصلي الفجر، لماذا يا أبتي لا تكون مثل ذلك الرجل ومثل الكثير من الرجال الذين رأيتهم
فقال الأب: أين رأيتهم؟
فقال الطفل في المسجد
قال الأب: كيف ؟
فحكى حكايته على أبيه فتأثر الأب من ابنه واقشعر جلده وكادت دموعه أن تسقط فاحتضن ابنه ومنذ ذلك اليوم لم يترك أي صلاة في المسجد.
أخي .. إن كنت صادقا في سعيك للحفاظ على صلاة الفجر ، وعزمت النية ، فإن الله تعالى سيوفقك ، لأنه ما طلب أحد من الله تعالى شيئا ، إلا استجاب له ، وأعطاه سؤاله ، بالصورة التي يراها الله تعالى ، وإن كان هذا حال الله مع من طلب منه شيئا من الدنيا ، فما بالنا بمن يطلب من الله أن يعينه على طاعته؟ فإنه أولى الناس بالاستجابة من الله تعالى ،ولكن ابدأ من الآن ، ولا تتكاسل ، ولا تجعل للشيطان عليك سبيلا .ولاتكن ممن أضاعوا الصلاة فتوعدهم الله بوادٍ في جهنم إسمه الغي. قال تعالى:”
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59). وتوعد للمتهاون بالصلاة بوادٍ اخر في جهنم هو وادي الويل فقال تعالى فيه:”(فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون).
جعلنا الله وإياكم من أهل الفجر وأهل التقوى والرضوان.